الجمعة، 28 نوفمبر 2008

فلاسفة

فلاسفة

لما طلب الخليفة المأمون من ملك الروم أن يبعث له بما لديهم من كتب الفلسفة والمنطق ، استشار الملك بطانته فقالوا: كيف نعطيهم تراثنا، فَقَالَ أحد الأساقفة وكان ذا دهاء وفطنة : ابعثوا بها إليهم فوالله ما تعلمها أصحاب دين إلا كانت وبالاً عليهم" ، وقد ظهرت بعد ذلك في القرن الثالث الهجري جماعة ( إخوان الصفا و خلان الوفا ) والذين اتحدوا على أن يوفقوا بين العقائد الإسلامية والحقائق الفلسفية التي عرفت في ذلك العهد . وهذه الأحداث كانت من بدايات تاريخ دخول الفلسفة في الإسلام ، و الفلسفة كلمة يونانية الأصل معناها الحرفي " محبة الحكمة " ، يقول سقراط : الفلسفة هي البحث العقلي عن حقائق الأشياء المؤدي إلى الخير ، وأما الفلاسفة فهم الذين نظروا في طبائع الأشياء بفكرهم لمعرفة عللها الخفية وراء ظواهرها ، لذا نجد أن الفلاسفة لم يقتصروا على النظر والتفكر فيما هو ظاهر أمام أعينهم من المخلوقات، وإنما راحوا يبحثون فيما وراء ذلك وهو الخالق جل وعلا ويسمون ذلك ما وراء الطبيعة أو الإلهيات ، مع ملاحظة أن الواضح لا يحتاج إلى توضيح ، وكما قيل :

وليس يصح في الأذهان شيء ******** إذا احتاج النهار إلى دليــــــل

فلقد أرسل الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، وأنزل معه الكتاب بالحق ليتعرف الناس على ربهم تبارك وتعالى المعرفة الصحيحة، التي تنير قلوبهم، وتشرح صدورهم ، والحق يقال أن معرفة الله تعالى المعرفة الصحيحة لا يمكن أن يتوصل إليها إلا من خلال الوحي، وما عدا ذلك إنمـا هو من باب " الخرص والتخمين" كما يسميه البعض . ولهذا فقد كفينا البحث فيما وراء الطبيعة " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" .

والفلاسفة يجعلون للفلسفة قيمة عظيمة ، فتجد أن قيمتها عند الفيلسوف "رسل" ليست فيما تقدمه من حلول نهائية وصحيحة للمسائل التي تطرحها، وإنما " قيمة الفلسفة في مناقشاتها المفتوحة والفرصة التي تتيحها لتوسيع أفق تصورنا، ولإثراء خيالنا العقلي..." ونلاحظ أن هذا كلام عالم من منظري الفلسفة المعتبرين فهو يعتبر فيلسوفا من بناة المنطق الحديث ، وهذه القيمة للفلسفة عبر عنها بعض العلماء المسلمين بأنها تورد الإشكالات ولا تحلها، وتجعل المجال فيما يناقشه الفلاسفة مفتوحا لسائر الآراء والتصورات، مما يمنع الجزم واليقين ، وهذا يدل على عدم صلاحها، وعدم صحة الاعتماد عليها في مسائل كثيرة أهمها مسائل العقيدة التي يطلب فيها الجزم واليقين.

وعندما نتأمل في مقترح الهيئة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بإلغاء مادة الفلسفة في الرابع الثانوي أو جعلها اختيارية أسوة بجمهورية مصر العربية ، نجد أن هذا المقترح يتعلق بمنهج الفلسفة للصف الرابع الثانوي فقط وذلك " لاحتوائه على مغالطات أهمها إهمال الرأي الشرعي تماما، وعدم مناسبة ما ورد في الكتاب للمرحلة العمرية للطلبة ، وكذلك إعطاء الفلسفة دورا فوق الدين ، وما ورد في الكتاب من أن الإسلام يؤيد الفلسفة استدلالا بآيات من القرآن تدعو إلى التدبر والتفكر ، وهو استدلال خاطئ لأن الإسلام وضع للعقل حدوده ، بعكس الفلسفة التي جعلته يتفكر في الغيب، وما وراء الطبيعة " ، إذن هو مقترح يدفع كل هذه المغالطات المذكورة ، ويراعي حرية دراسة مادة الفلسفة بجعلها اختيارية أسوة بدول أخري لها في التعليم أثر وسبق .
فلماذا قامت الدنيا ولم تقعد ضد هذا المقترح وكأن الفلسفة هي العلم الذي لا يستغنى عنه , في حين لم نسمع عن اعتراضات بشأن توجه وزارة التربية لدمج مادة القرآن الكريم مع التربية الإسلامية ، ما يعني تقليص مساحة حفظ القرآن في ذاكرة أبناءنا الطلبة .
ملاحظة : ...
كان هدف إخوان الصفا وخلان الوفا التقريب بين الدين والفلسفة ،فذهبت بهم فلسفتهم بعيدا
فتراهم يعتبرون أن في الطبيعة عقلا مدبراً يفوق كل الأفكار والتصورات البشرية ، ومع ذلك كانوا يتوجهون إلى الشمس بدعاء خاص كما لو كانوا يستعطفون إشراقها عليهم ، فأي فلسفة هذه ؟

تركوا الحقائق والشرائع واقتدوا ******* بظواهر الجهال والضــلال

فإذا بهم وسط العرين ممزقــــــي ******* الأثواب والأديان والأحوال