الأذان ... وأصابع البيانو
الأذان هو إعلام بدخول وقت الصلاة المفروضة بألفاظ مخصوصة ، والأذان هو الإعلام ، ومنه قول الحارث بن حلزة :
آذنتنا ببينها أسماء .......... رب ثاو يمل منه الثواء
أي أعلمتنا ، ومنه حديث عبدا لله بن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم – اهتم لأمر الصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له : أنصب راية عند حضور الصلاة ، فإذا رأوها ، آذن بعضهم بعضا _ أي أخبر بعضهم بعضا - فلم يعجبه ذلك ، ثم ذكروا له البوق الذي ينفخ فيه ، فلم يعجبه أيضا ، وقال: هو من أمر اليهود ، وذكروا له الناقوس فقال : هو من أمر النصارى .. حتى هداهم الله تعالى للأذان الذي نعرفه الآن ، قال الإمام العيني : ولا يشرع – أي الأذان - لغير الصلوات الخمس بلا خلاف ، وللجمعة أيضا .
وعندما نتأمل في المقصود من الأذان نجده لا ينحصر في الإعلان عن الصلاة فقط بل هو نشر لذكر الله في أرضه ، وتذكير لعباده من الجن والإنس في كل مكان يصل مداه إليه ، والأذان تشريع من الرسول ، ووسيلة لها وظيفتها المحددة وخصوصيتها الدينية ، والدليل على ذلك رفض النبي لوسائل أخرى من شرائع أخرى قبل شريعتنا .
هذه الوظيفة ، وهذه الخصوصية الرائعة للأذان ، تم اختراقها ، وتم التطاول عليها ، وهذا الاختراق والتطاول جاء للأسف الشديد من أحد أبناء المسلمين وتحت بند التجربة الجديدة في الإنشاد الديني ، وهي إدخال آلة موسيقية مصاحبة للأذان هي آلة البيانو ،فبعد ساعة من انتهاء آذان العشاء، وبعد بدء الحفل الصوفي في قصر العظم ، رفع الأذان ، بصوت الشيخ فلان وبمصاحبة البيانو خلال إنشاد قصيدة "جل الإله" لابن عربي، في تحد واضح لشريعة إلهية أعطت العبادات ومقدماتها إطارا لا يجوز تغييره ولا المساس به .
ويصف الرجل تجربته في رفع الآذان بمصاحبة البيانو، فيقول : "في الأماكن المقدسة يفضل أن يرفع الآذان وحيدا، لكني أنشدته مع الموسيقى في حفل ديني"، ويضيف "وجود آلة البيانو زاد الآذان روحانية، وكل الآلات الموسيقية تعطي روحانية طبعا"، ويتابع "عشت التجربة بروحانية عالية وبخشوع" .
ولسنا بصدد الحديث عن الحكم على هذا المتطاول بسبب فعلته ، بل نتحدث عن أمر أهم في نظرنا ، ونعني به الاستهانة بهذا الدين وشرائعه ومعالمه ، إلى الحد الذي يصل بالبعض إلى استخدام شعار الإسلام ، الداعي إلى أعظم شعائر الإيمان وهي الصلاة في قالب موسيقي بذريعة الروحانية .
فإذا ترك الحبل على الغارب لهذا ولغيره ، فلن يقف الأمر عند الأذان ، بل سيتعداه إلى الصلاة ، وغيرها من أركان هذا الدين وربما وصل بعد ذلك إلى التطاول على الله عز وجل وأسمائه وصفاته ، كل ذلك باسم الروحانية المزعومة .
يجب أن يقف العالم الإسلامي بكامله ، بعلمائه وولاة الأمر فيه ودعاته وكتابه وخطبائه ومربيه ومعلميه ،وقفة حازمة أمام مثل هذه التجاوزات وغيرها ، وقفة تعيد للدين هيبته في نفوس أبناءه في المقام الأول ، ثم في نفوس أعدائه بعد ذلك ، وهذه الوقفة ينبغي أن تكون من خلال تشريعات قانونية ، تحفظ للدين أصوله ومبادئه وشعائره ، وتقرر عقوبات رادعة لكل من تهاون بهذا الدين وتجاوز حدوده ، ولقد ورد أن الوليد بن عقبة صلى بالناس الفجر أربع ركعات وهو سكران ، ثم التفت إليهم وقال : أزيدكم ؟ فبلغ ذلك الخبر خليفة المسلمين عثمان بن عفان ، فأرسل في طلبه ، وأقام عليه الحد .
حكمة :
حكمة :
قال عثمان بن عفان – رضي الله عنه – : إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن
عبدالله المرشد الصليلي